يهدف التصنيف الحيوي، الذي يشمل النبات والحيوان والإنسان، إلى وصف الكائنات الحية التي ظهرت منذ بدء الخليقة حتى اليوم وتسميتها وترتيبها.
والإنسان العاقل مصنف بفطرته، يدرك الوقائع، ويسميها، ويرتبها وفق أهدافه المباشرة حيناً، وغير المباشرة حيناً آخر. بدأ الإنسان بتصنيف ما يحيط به من نبات وحيوان، وفقاً لحاجاته اليومية فصنف النبات إلى نافع وضار، وغذائي وكسائي، وشاف وممرض وسام، وتزييني وجمالي، وإلى غير ذلك.
كانت التصانيف في البداية أشبه بمكتبة فيها مجلدات، والمجلدات صور للأنواع، ترتب وتصنف وفق الحجم وطريقة التجليد، بدلاً من التصنيف وفق الموضوع والمحتوى. وتكشَّف هدف التصنيف بتقدم الحضارة، وبجهود الإنسان المفكر خلال قرون طويلة من الزمن حتى تجسد هذا الهدف في أيامنا الحاضرة بالبحث عن العلاقات الحقيقية بين العضويات وإعطائها أسماء تصنيفية تاكسونومية Taxonomic خاضعة لأصول وقواعد عالمية، وترتيبها في شجرة نسب واسعة.
تاريخ التصانيف البيولوجية
تكشف الدراسات التاريخية للتصانيف البيولوجية وجود المسيرات الآتية:
1ـ مسيرة التصنيف العيني: بدأ معتمداً على الملاحظة العينية المباشرة: فجمع المتشابهات، وباعد المتباينات. وقد سادت هذه المسيرة التي قدمت عناصرها الحضارة الزراعية لمنطقة الرافدين، والنيل، واليونان، والعالم الإسلامي ما بين عام 4000ق.م إلى عام 1700م. برزت في هذه المرحلة أسماء: أرسطو، وتيوفراست، ودسقوريد، وبليني، وجابر بن حيان، وأبو بكر الرازي، وأبو حنيفة الدينوري، وابن سينا، والبغدادي، وابن البيطار، وابن الصوري، وابن بطوطة، وداود الأنطاكي. اعتمدت هذه التصانيف على وصف النباتات وتسميتها وترتيبها اعتماداً على طرائق استعمالها والاستفادة منها من الناحية الغذائية والدوائية والجمالية والنفسية [ر. الاثنولوجية النباتية].
2ـ مسيرة التصنيف المجهري: القائمة على استخدام المكبرات والمجاهر لكشف البنية الدقيقة للأحياء.انطلقت هذه المسيرة من مطلع الحضارة الصناعية مابين عام 1700-1809م. وبرزت في هذه المرحلة أسماء: جيسنر، ودودونيوس، وسيزلبينو، ولوبيل، وري، ومغنول، وتورنفورت، ولينيووأ، وادنسون. وتميزت في هذه المسيرة زمر نباتية: مثل: الفطريات والطحلبيات والسرخسيات والخيميات والنجيليات والسحلبيات والنخيليات. كما وضحت أهمية الفلقات في تصنيف العالم النباتي، ودور الأجنة في تصنيف العالم الحيواني.
3ـ مسيرة التصنيف التطوري: سادت في هذه المسيرة مابين عام 1809 ـ 1900م. معتمدة على نظريات التطور[ر] التي أطلقها لامارك وهيلير ودارون، وطُرحت في هذا المجال تصانيف تطورية سادت في مؤلفات: أنطوان لوران دوجوسيو، ودوكاندول، وبنتام، وبرونيار، وبراون، وهوكر، وبايون، وفان تيغن، وإيشلر، وأنغلر، المعتمدة اليوم لتظهر نتائجها في مؤلفات هوتشتسون وفيتشابن وراندل وكليمنس وبول ولام وامبرجيه.
4ـ مسيرة التصنيف الوراثي: امتدت هذه المسيرة ما بين عام 1900-1960 معتمدة على التجارب التي أوضحت نماذج التكوين الوراثي على يد ماندل ونودان. وشرع التصنيف بطرق باب التجريب، وتبين وجود أنماط تكوينية وراثية genotype وأنماط ظاهرية phenotype في النوع النباتي. كما بينت التصانيف التجريبية أن الوحدة التكوينية للنوع هي وحدة معقدة مكونة من مجموعات متدرجة في الاختلاف كالمطابقات accommodats والمتحدرات clines والنمط البيئي ecotype والنوع البيئي ecospecie والنوع الجورداني والنمط الحيوي biotype والنوع اللينيوني نسبة إلى لينيه Linnaeus الذي يمثل النوع الدارج.
5ـ مسيرة التصنيف الكيماوي الحيوي: مازالت هذه المرحلة في بداية عهدها، إذ بدأت في مطلع الستينات من هذا القرن، فاتحة آفاق التصنيف المعتمد على مبادئ الكيمياء الحيوية، وداعية الكيميائيين الحيويين إلى الإسهام في تقدم المعرفة العلمية التصنيفية في مجال البصمة الوراثية[ر].
6ـ المرحلة المرتقبة للتصنيف: لئن استفاد التصنيف من تطور وسائل البحث، وتنوع طرائق الدراسة لحل مشكلاته المتتالية، إنه متربص اليوم للاستفادة من العلوم المرتقبة التي لابد أن تُصحِّح وتقوِّم المعارف الحالية والمعلومات المصححة لها، فالحاضر خلاصة الماضي ونواة المستقبل، وحقائق اليوم تمثل أخطاء الغد، والحركة كامنة في كل شيء، وبارزة بصورة خاصة في كل ما يتمتع بالحياة... فالتصنيف إبداع مستمر، لانهاية له، دائم بدوام العلم، لا بل بدوام الإنسان العلمي. فالتصانيف القديمة كانت تعتمد على التقسيم إلى أقسام divisions، وهذا مادعا إلى تسمية التصنيف بالتقسيم، ثم تلتها التصانيف التصفيفية التي تعتمد على وضع الأحياء في صفوف classes، هذا مادعا إلى تسمية التصنيف بالتصفيف classification، وعرضت في مرحلة ثالثة التصانيف التنظيمية التي تجمع عالم الأحياء في منظومات systems، وهذا مادعا إلى تسمية التصنيف بالتنظيم sytematic. وعرضت في مرحلة رابعة التصانيف التاكسونومية taxonomic التي تجمع عالم الأحياء في تاكسات (Taxa مفردها تاكسون Taxon وتعني الوحدة) معتمدة في تكوين وحداتها على نظم عالمية في الوصف والترتيب والتسمية، وهذا مادعا إلى تسمية التصنيف في الحاضر بالتاكسونومي المكونة من تركيب مزجي لكلمتين: تكسا بمعنى الوحدة، ونومي بمعنى إدارة على وزن فعالة: فالتاكسونومي Taxonomy هو علم خبري قائم على إدارة عالم الأحياء وفق نظم معرفة علمية عالمية في الوصف والتسمية والترتيب. وهو خلاف التصانيف الجزئية التي تقوم على علم من العلوم.
التاكسونومي مصطلح من وضع أوغستان بيران دوكاندول Augustan Pyrane De Candolle عام 1813 لمعالجة نظريات التصنيف التي تقسم العالم النباتي إلى قطاعات متشابهة أو قابلة للمقارنة والترتيب الصاعد وفق سلم تسلسلي متجانس معتمد على وحدانية الأصول.
يُدرك مما تقدم أن التصنيف قد تجاوز أهدافه المباشرة من ترتيب الأحياء ترتيباً طبيعياً معتمداً على صلات القربى الكامنة، وصار أكبر معبرٍ عن المعرفة المرتبطة بالكائنات الحية. وقد صارت تصانيف اليوم تمثل خلاصة النظريات العلمية الحديثة وتعكس مجمل مفهوماتها. فالتصنيف التاكسونومي تنظيم علمي عالمي مدهش رائع، يسعى إلى فهم العلاقات الكامنة بين الكائنات، مهذباً التقارير الجديدة عن عالم الأحياء، ومرتباً الواحد تلو الآخر، مقدماً للفكر وسيلة جديدة للإدراك والاكتشاف، وطارحاً أمامه وصفات جديدة للتقدم.
الأبعاد التصنيفية التكسانومية
تتمثل الأبعاد التصنيفية التكسانومية بـ: الزمن، والعدد، والمفهوم. يحدد زمن المسألة التصنيفية بعمر الأرض الذي يُقدر بـ 4.5 بليون سنة، ويحدد عمر أثر الحياة في باطن القشرة الأرضية بـ 600 مليون سنة تشكلت خلالها كائنات طلائعية النوى prokaryota وكائنات حقيقيات النوى eukaryota التي ضمت عوالم النبات والحيوان والإنسان التي يقدر عدد أنوعها بين ثمانية ملايين إلى ثمانين مليون وحدة بيولوجية، تبعاً لوسائل البحث الشمولية أو التفصيلية.وتختلف المفهومات التصنيفية مابين سهولة التمييز بين الوحدات الكبرى كأجناس السرو والتنوب والصنوبر، وبين الوحدات الصغرى كأنواع الصنوبر الحلبي والصنوبر البروتي (المنسوب إلى منطقة إيطالية) والصنوبر الصنوبري الذي تؤكل بزوره.مخطط نظري يصور المسيرة التصنيفية في مراحلها الأربع: يمثل المخطط انطلاق المسيرة من فرد أصلي في قاعدة الشكل أشير إليه بإشارة +. تمثل العتبة الأولى مرحلة المجال الممثلة بسيطرة درجات القرابة، وتليها العتبة الثانية مرحلة المرتبة الممثلة بسيطرة التشابه، وفي النهاية تأتي العتبتان الثالثة والرابعة مرحلة التسمية والتجميع منطلقة من الفرد المحسوس إلى النويع فالنوع فالجنس التي تمثل جميعها وحدات تكسونومية مجردة
مراحل التصنيف التاكسونومي
تتمثل مراحل التصنيف التاكسونومي أولاً: بعدم وضوح الفواصل بين الوحدات التصنيفية أو ما يعرف بالمجال أو الرنح range، وثانياً: بوضوح الفواصل بين الوحدات التصنيفية أو ما يعرف بالمرتبة أو الرنق ranke، وثالثاً: بالتسمية naming الممثلة بإطلاق لفظ مجرد على جوهر محسوس، ورابعاً: بالتجميع grouping الممثلة بجمع المتشابهات.
يوضح الشكل(1) العلاقات القائمة بين المراحل التصنيفية الأربع حيث يمثل المستوى الأول المجال أو درجة القرابة relationship، ويمثل المستوى الثاني المرتبة أو درجة التشابه resemblance، ويُمثل المستوى الثالث التسمية، ويمثل المستوى الرابع التجميع.
التسمية العلمية العالمية والتسمية الشعبية المحلية المتناقلة:
تخضع التسمية العلمية لأصول أو قواعد دولية عالمية تسهل التفاهم بين أصحاب الاختصاص الموحد. وتخضع التسمية المتناقلة vernaeular لتقاليد الشعوب مستمدة من تراثها اللغوي وأدبها الشعبي فهي سهلة الاستعمال في مواقع أو أقطار محددة ولكنها غالباً ما تكون عديمة الجدوى على الصعد الدولية أو العالمية. أما التسمية العلمية فتقوم قواعد معقدة تسهل مقارنة مختلف الموضوعات التي تعالجها. وعلى الجهود الكبرى التي تقوم بها الهيئات والمؤسسات المختصة بالتسمية فإن الحصول على تسمية يرضى عنها الجميع على مر العصور واختلاف المواقع من الأمور التي يصعب إدراكها، إن لم تكن من الأمور المستحيلة، ويرد ذلك إلى اختلاف وجهات النظر في توجهات مدارس التسمية، إضافة إلى صعوبة شرح المصادر المتباعدة للتسمية، ولتجنب هذه الصعوبات فقد صارت من الأمور البديهية اليوم قرن التسمية الناجحة بتعريف ثابت قد يكون خاصاً بالعلوم البيولوجية أو بالعلوم الأخرى فيزيائية أو كيمائية أو رياضية إلى آخر ما هنالك.
التسمية التصنيفية التاكسونومية Taxonomic:
هي تسمية علمية عالمية خاضعة لضوابط دقيقة تسمى بوساطتها نماذج الحياة النباتية والحيوانية المعاصرة والمستحاثة. وهي تطلق على وحدة بيولوجية أياً كانت أبعادها أو محتواها (الوحدات التي تضمها): فالنوع وحدة تصنيفية تدعى طقسونة taxon وكذا الجنس والفصيلة والرتبة وإلى ما هنالك.
بعض مبادىء وقواعد التسمية التصنيفية التاكسونومية
تخضع التسمية التصنيفية التاكسونومية إلى قواعد مسطرة ومدرجة في دليل code عالمي للتسمية النباتية المطبوع في أوترخت لعام 1972 International Code of Botanical Nomenclature Utricht وضح طرائق وصف عالم النبات والحيوان وتسمية وحداته، أهمها:
ـ التزام كتابة الأسماء التصنيفية بالشكل اللاتيني، وعَدّ أسماء الوحدات التصنيفية التي تشمل الجنس والفصيلة والرتبة والصف أسماءً أعلاماً تكتب حروفها الأولى بحرف كبير، وعَدّ أسماء الوحدات التصنيفية الأدنى من الجنس نعوتاً adjectival تكتب بحرف صغير.
ـ يرمز إلى تسمية الهجن بذكر اسم الايوين مع وضع إشارة «×» بينهما على النحو الآتي:
ـ تسمى الفصائل والرتب والصفوف والشعب بأبرز أجناسها.
ـ تسبق تسمية التوبعات والضروب والأشكال بأسماء الأنواع والأجناس المنتسبة إليها على النحو التالي:
الأخليا ألفيه الورق نويع ألفيه الورق
ـ التقيد بشرعية legitimate الإرث القديم في مجال التسمية والذي انطلق منذ عام 1753 في كتاب لينوس المسمى «الأنواع النباتية» Species Plantarum.
ـ المرادفات synonyms هي لتسميات المختلفة الألفاظ والدالة على الوحدة نفسها كقولنا: الدفلى والدفل والدفلة والحبن والحبين للدلالة على التسمية الطقسوتنه Nerium oleander.
ـ المتجانسات homonyms هي التسمية الواحدة الدالة على نباتات مختلفة كقولنا الرند الدال على نبات الغار Laurus nobilis والدال على شجر الآس Myrtus communis وعود النّد Aloexylon agallochum وإلى ما هنالك.
ـ تلحق أسماء الأجناس والأنواع في الكتابات العلمية المتخصصة بأسماء الاختصاصيين الواضعين للتسمية، فالفجل، على سبيل المثال، تُكتب تسميته العلمية على النحو الآتي: «الفجل المزروع لينيه Raphanus sativus Linnaeus».
ـ يوضع اسم الواضع للتسمية الأولى بين هلالين مباشرة بعد اسم النوع ويليه اسم الباحث الجديد الذي أطلق تسميةً جديدة تختلف عن التسمية القديمة. فالخلة تكتب تسميتها العلمية على النحو الآتي: «آمي فيزغانة (لينيه) لامارك = دوكوس فيزغانة لينيوسAmmi visnaga (Linnoeus) Lamark = Daucus visnaga Linnoeus وهكذا وضعت التسميات التالية للوحدات النباتية والحيوانية مرتبة من الأكبر حتى الأصغر.
(توثيق المعلومات التصنيفية)
يجري توثيق المعلومات التصنيفية بثلاث طرائق هي المونوغرافية monographia والمراجعة revision والأفلورات أو الأزهورات flora.
المونوغرافية: هي مقالة قصيرة أو مطولة تذكر جميع المعلومات الخاصة لوحدة تصنيفية أو أقطوعة طقسونية كالنوع أو الجنس أو الفصيلة.
المراجعة: هي مقالة قصيرة أو مطولة تذكر جميع المعلومات الخاصة بمجموعة نباتية أو حيوانية مكونة من زمر أو وحدات أو أقطوعات تصنيفية مختلفة.
الأزهورة: وهي تضم قائمة الأنواع النباتية التي تنبت في رقعة محددة من العالم كقولنا الأزهورة السورية و الأزهورة العربية.
دور المعشب (ج: معاشب) في التصنيف النباتي
المعشب هو المكان الذي تحفظ فيه النباتات المجففة. فمن المعاشب ما هي ملك لأفراد، ومنها ما تكون ملكاً لمنشآت أو مؤسسات. فمعشب متحف التاريخ الطبيعي في باريس، على سبيل المثال، يضم نحو 8 ملايين عينة مجففة، وفي هذا دعوة إلى الدول العربية لإقامة معاشب خاصة بكل دولة ومعاشب خاصة بالدول العربية مجتمعة.
تشمل العينة المعشبية اسم الجامع ومكان الجمع وتاريخه، وعينة نباتية وحيدة واسم النبات الطقسوني والمتداول، ويمكن أن يضاف إليها بعض المعلومات البيئية أو الاقتصادية أو التاريخية أو الانتولوجية.
تعد العينات المعشبية المادة الأولية للعمل بالتصنيف النباتي ويرتكز تقدم التصنيف النباتي على أبحاث رئيسة تُقدم المعاشب موادها الأولية، وبذلك يتمكن الباحث من تحديد المهود النباتية، وتاريخ إزهار النبات، وانتشاره على الصعيد الوطني والعالمي ورسم الخرائط النباتية الوطنية والعالمية لانتشار الأنواع.
هناك تعليق واحد:
الى الامام
إرسال تعليق